تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي

تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

ولا يراد بها سواه. وهذا هو المؤثر النفسي المقصود. عند اخلاص الناصح لمن ينصح (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ. حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ ..)

وتوصية الولد بالوالدين تتكرر في القرآن المجيد. وفي وصايا رسول الله ص وآله ولم ترد توصية الى الوالد بالولد الا قليلا. ومعظمها في حالة الوأد ـ وهي حالة شاذة عن الطبيعة ـ ذلك ان الفطرة تتكفل وحدها برعاية الوليد من والديه. فالفطرة مدفوعة الى رعاية ولدها. ولضمان امتداد الحياة كما يريدها الله. وان الوالدين ليبذلان لوليدهما من اجسامهما واعصابهما واعمارهما. ومن كل ما يملكان. من عزيز وغال. في غير تأفف ولا شكوى. بل في غير انتباه ولا شعور. بما يبذلان. بل في نشاط وفرح وسرور. كأنهما هما اللذان يأخذان.

فالفطرة الحيوانية وحدها كفيلة بتوصية الوالدين دون وصاية. ولذا تراها سارية في كل حيوان. فاما الوليد فهو في حاجة الى الوصية المكررة ليلتفت الى الجيل المتجه الى أسفله الى شهواته لا الى عقله وما فوقه وما يوجبه عليه خالقه العظيم وعقله الحكيم من وجوب اداء شكر المنعم على انعامه الذي خلقه من العدم. ورباه من الصغر وحفظه من كل اذى حتى صار رجلا.

(يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)

أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠))

٤١

البيان : (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ ..) هذا هو طريق العقيدة المرسوم. وهذا هو طريق السعادة المنشودة. ثقة وخشية. واذعان وتسليم. ثم انتقال الى دعوة الناس واصلاح حالهم. وامرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر. والتزود قبل ذلك كله للمعركة مع الشر. ثم الصبر على ما يصيب الداعي الى الله تعالى. من المنحرفين وعبدة الهوى (إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) وعزم الامور وقطع الطريق على الشك من أن يدنو اليك فيما تيقنت صحته وصوابه. لأن الشك لا سبيل له على تزلزل اليقين بالصواب. (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ..) والصعر داء يصيب الابل فيلوي اعناقها. والاسلوب القرآني يختار هذا التعبير للتنفير. وامالة الخد للناس في حال السؤال واظهار الحاجة والفاقة للناس. والمنهى في المشي مرحا هو التكبر والتجبر. وهي حركة يمقتها الله (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) والقصد هنا عدم التبختر والاختيال (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ..) والغض من الصوت هو أدب وطمأنينة. وعدم الشدة والغلظة. (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً).

وهذه اللفتة المكررة في القرآن بشتى الاساليب. تبدو جديدة في كل مرة. لأن هذا الكون. لا يزال يتجدد في الحس كلما نظر اليه القلب. وتدبر اسراره. وتأمل عجائبه. التي لا تنفد. ولا يبلغ الانسان في عمره المحدود ان يتقصاها. وهي تبدو في كل نظرة بلون جديد. وايقاع جديد.

وقد سخر الله تعالى لهذا المخلوق الانساني ما في السموات فجعل في مقدوره. الانتفاع بشعاع الشمس والقمر. والنجوم والمطر.

٤٢

والطير والهوام. وسخر له ما في الارض من الطول والعرض. (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ).

وتبدو هذه المجادلة مستغربة مستنكرة. ويبدو هذا الفريق من الناس الذي يجادل في حقيقة الله عزوجل. وعلاقة الخلق بهذه الحقيقة يبدو منحرف الفطرة. انه لا يرتكز في هذا الجدال الى علم. ولا يهتدي بهدى. ولا يستند الى كتاب ينير له القضية ويقدم له الدليل.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥))

البيان : فهذا هو سندهم الوحيد. وهذا هو دليلهم العجيب. التقليد الجامد المتحجر الذي لا يقوم على علم ولا يعتمد على تفكير. التقليد الذي يريد الاسلام ان يحررهم منه. وان يطلق عقولهم للحياة طليق التدبر. ويشيع فيها اليقظة والحركة والنور. فيأبوا هم الانطلاق من اسر الماضي المنحرف.

ان الاسلام حرية في الضمير. وحركة في الشعور. وتطلع الى النور. ومنهج جديد للحياة ومع ذلك يجادلون في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير (أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ). فهذا الموقف انما هو دعوة من الشيطان الرجيم لهم لينتهي بهم الى عذاب السعير فهل هم مصرون عليه ولو قادهم الى ذلك المصير. لمسة موقظة ومؤثر مخيف بعد ذلك الدليل الكوني العظيم. (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ ـ وَهُوَ مُحْسِنٌ ـ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى. وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ). انه الاستسلام المطلق لله. مع احسان العمل ـ الاستسلام

٤٣

بكامل معناه. والطمأنينة لقدر الله تعالى. والانصياع لأوامره تعالى (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى)

هذه العروة الوثقى هي الصلة بين المخلوق وخالقه العظيم. الصلة الثابتة المطمئنة بين قلب المؤمن المستسلم وخالقه العظيم. ان الرحلة طويلة وشاقة ومليئة بالاخطار. ويستحيل ان ينجو من اخطارها الا من توفق للاستمساك بعروة الله الوثقى وهي ولاية محمد وآله المعصومين علي وابنائه الاثني عشر اماما (ع) فهم العروة الوثقى وهم سفينة النجاة من ركبها نجا ومن تخلف عنها هوى) في مهاوي الضلال والفتن. والعذاب والنكال يوم لا ينفع مال ولا بنون ...

وخطر السراء فيها ليس اهون من خطر الضراء والحاجة الى السند الذي لا يهن والحبل الذي لا ينقطع. حاجة ماسة دائمة. والى الله عاقبة الامور) واليه المرجع والمصير والمنتهى (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) تلك نهاية من يسلم وجهه لله وهو محسن. وهذه نهاية من يكفر ويخدعه متاع الحياة نهايته في الدنيا. فشأنه اهون من ان يحزنك واصغر من ان يهمك ونهايته في الآخرة التهوين ـ وهو في قبضة الله ـ أين ما كان ـ فلا يفلت وهو مأخوذ بعمله. والله أعلم بما عمل وبما يخفيه في صدره من نوايا (إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).

ومتاع الدنيا قصير الاجل. والعاقبة بعد ذلك مروعة فظيعة. والعاقبة للمتقين لا غير. (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ..) وما يملك الانسان حين يستفتي فطرته ويعود الى ضميره. فهذه السموات والارض قائمة. مقدرة تقديرا. يبدو فيها القصد والتصميم ولا يدعي احد ان خالقا غير الله شارك فيها ـ والقول ـ التافه ـ بانها وجدت تلقائيا او فلتة. او صدفه لا يستحق احترام المناقشة واولئك

٤٤

الذين كانوا يواجهون عقيدة التوحيد بالشرك لم يكونوا يستطيعون ان يزيفوا منطق فطرتهم (لَيَقُولُنَّ اللهُ) هو الخالق دون سواه.

(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦) وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧) ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠))

البيان : انه مشهد منتزع من معلومات البشر ومشاهداتهم المحدودة ليقرّب الى تصورهم معنى تجدد المشيئة الذي ليس له حدود. والذي لا يكاد تصورهم البشري يدركه بغير هذا التجسيم. ان البشر يكتبون علمهم. ويسجلون قولهم. ويمضون اوامرهم من طريق كتابتها باقلام ـ كانت تتخذ من الغاب ومدادهم الحبر. وجميع ما في السموات من بحر لو تحول مدادا. بل معه سبعة ابحر كذلك لنفدت الاقلام والمداد والبحار. وكلمات الله باقية لم تنفد. ولا تأتي لها نهاية. ويستحيل ان يواجه المحدود غير المحدود. وكلمات الله غير محدودة حتى تحصى (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ ..)

والارادة التي تخلق بمجرد توجه المشيئة الى الخلق. يستوي عندها الواحد والكثير الكثير. (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ومع القدر العلم والخبرة والحكمة والعدالة. (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ ..) ومشهد دخول الليل في النهار. ودخول النهار في الليل وتناقضهما وامتدادهما عند اختلاف الفصول .. مشهد عجيب حقا. ولكن طول الالفة يفقد الانتباه لذلك الامر العجيب. ولا يحتاج ادراك هذه الحقيقة اكثر من رؤية تلك الدورة الدائبة التي لا تكل ولا

٤٥

تحيد (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ. وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ) وأي دلالة اقوى واظهر من تنسيق هذا الكون وما فيه على ان خالقه هو الحق المبين وما سواه باطل عاجز ميت فانّى. وكل شيء غير الله عزوجل يتبدل وينتهي ويموت ولا يبقى في الوجود الا خالق الوجود الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢)

يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٣٣) إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤))

البيان : الفلك تجري في البحر وفي النواميس التي اودعها الله البحر. والفلك والريح والارض والسماء .. فخلقة هذه الخلائق بخواصها هذه هي التي جعلت الفلك تجري في البحر ولا تنغمس فلو اختلت تلك الخواص اي اختلال ما جرى الفلك في البحر. ولو اختلت كثافة الماء او كثافة مادة الفلك. ولو اختلت نسبة ضغط الهواء على سطح البحر او اختلت التيارات المائية والهوائية. لو اختلت نسبة واحدة اي اختلال لما جرت الفلك في الماء ولما بقي احياء.

اذن فالفضل لمن خلق هذه الاسباب المجتمعة. والفضل لله الذي يبقى هو الحارس للفلك وحاميها حتى مع اجتماع كافة اسبابها. وسط العواصف والانواء. حيث لا عاصم لها الا الواحد القهار. فهي تجري بنعمة الله وفضله على كل حال (لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ) وهي معروضة لكل ناظر سالم الضمير. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)

٤٦

ولكن الناس لا يصبرون ولا يشكرون (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) فأمامهم مثل هذا الخطر الذي يخشاهم. تتعرى النفوس من القوة الخادعة التي تحجب عنها هنا وتتوجه الى خالقها القادر على نجاتها حين انقطعت اسباب النجاة الا منه. وتعرت الفطرة من كل ما سوى خالقها. وانقطعت اليه مخلصة له الدين (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) لا يجرفه الامن الى النسيان. ومنهم من يجمد وينكر كلما وعد وعاهد الله عليه. (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ).

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ) ان الهول هنا هول نفسي. انما يقاس بمداه في المشاعر والقلوب وما تتقطع به أواصر القربى والنسب. ووشائج العلاقة بين الوالد ومن ولد. وبين المولود والوالد. وما يستقل كل بشأنه. فلا يجزي احد عن أحد. ولا ينفع أحدا الا عمله وكسبه. وما يكون هذا كله الا لهول لا نظير له. في مألوف الناس. فالدعوة هنا الى تقوى الله تجيء في موضعها الذي فيه تستجاب. وقضية الاخرة تعرض في هذا الهول الغامر فتسمع لها القلوب. (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) فلا يخلف ولا يتخلف. ولا مفر من مواجهة هذا الهول العصيب. ولا مفر من الحساب الدقيق والجزاء العادل ، الذي لا يغني فيه والد عن ولده. ولا مولود عن والده (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) وما فيها من متاع ولهو ومشغلة. فهي مهلة محدودة. وهي ابتلاء واستحقاق وجزاء. (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) .. من متاع يلهي. أو شغل ينسي. أو شيطان يغوي.

فالغرور بالمال شيطان. والغرور بالعلم شيطان. والغرور بالعمر شيطان. والغرور بالقوى شيطان. والغرور بالسلطان شيطان. ودفعة الهوى شيطان. ونزوة الشهوة شيطان. ولا عاصم ولا مانع ولا رادع

٤٧

من جميع ذلك الا تقوى الله. وتصور الجنة والنار دائما وأبدا. فكل ما يذكرك نعيم الجنة وما فيها مما لا عين رأت ولا اذن سمعت. وما يذكرك النار وعذابها الخالد. هو تقوى الله تعالى. وكلما يلهيك عن ذلك هو الغرور والشيطان المغوي والمهلك. وأحسن من هذا كله ذكر افتقارك لربك في دنياك قبل آخرتك وافتقارك الى الله في بصرك وسمعك وافتقارك اليه في حركة يدك ولسانك وافتقارك اليه في قيامك وقعودك وتحركك وسكونك.

(إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ. وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ...) الله سبحانه قد جعل الساعة غيبا لا يعلمه سواه. ليبقى الناس على حذر دائم وتوقع دائم. ومحاولة دائمة. والمراد بالساعة هنا ـ والله أعلم ـ هي ساعة الموت لهذا الجسم وانتهاء هذه الحياة. وانتقال الانسان الى الجنة أو الى النار. ولذا يقول رسول الله ص وآله : (اذا مات الانسان قامت قيامته). ويقول خليفته سيد الاوصياء علي بن ابي طالب (ع) (ليس بين أحدكم وبين الجنة والنار الا الموت). فالموت يأتي بغتة في كل لحظة. ولا مجال للتأجيل في اتخاذ الزاد وكنز الرصيد والانابة عن المعاصي. (والله ينزل الغيث وفق حكمته. بالقدر الذي يريده. وقد يعرف الناس بالتجارب قرب نزول المطر. ولكنهم هم أعجز وأقصر من القدرة على نزوله. والنص يقرر أن الله هو الذي ينزل الغيث لانه سبحانه هو المنشىء للاسباب الكونية التي تكونه والتي تنظمه. فاختصاص الله تعالى في نزول الغيث. هو اختصاص القدرة. كما هو ظاهر من النص (وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ).

وهذا الاعجاز الثالث في الآية ان اختصاص علم الارحام من مختصات الله تعالى دون سواه. كاختصاصه (بعلم الساعة) وكاختصاصه (بتنزيل الغيث).

٤٨

فهو سبحانه الذي يعلم ما في الارحام من ذكر وأنثى. من فيض وغيض. ويستحيل أن يعلم سواه عن ذلك. وهذا القرن العشرين بأشعته الهائلة. هو عاجز ولم يزل عاجزا عن معرفة الجنين. هل ذكر أم أنثى ولو في قرب ولادته. (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً) وهذا الاعجاز الرابع من الاية الذي يتحد به كل مخلوق.

ماذا تكسب من خير وشر. ومن نفع وضر. ومن يسر وعسر. ومن صحة ومرض. ومن طاعة ومعصية. فالكسب أعم من الربح المالي وما في معناه. وهو كل ما تعنيه النفس في المستقبل الاتي. وهو غيب مغلق. والانفس الانسانية تقف أمام سدف الغيب. لا تملك أن ترى شيئا مما وراء الستار. (لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) كما الحديث (وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ). وهذا هو الاعجاز الخامس في الاية الواحدة. فاعتبروا يا أولي الالباب بما أراكم الله عزوجل من عجائب قدرته وفائق حكمته انه عليم خبير. حكيم حميد.

وان النفس البشرية لتقف امام هذه الاستار. عاجزة خاشعة ، تدرك بالمواجهة حقيقة علمها المحدود. وعجزها الواضح. ويتساقط عنها غرور العلم والمعرفة المدعاة. وتعرف أمام ستر الغيب المسدل أن الناس لم يؤتوا من العلم الا قليلا. وان وراء الستر الكثير الكثير مما لم يعلمه الا خالقه العظيم والمخلوقات به من الجاهلين. والسياق القرآني يعرض هذه المؤثرات العميقة التأثير في القلب البشرى في رقعة هائلة. رائعة الزمان والمكان. وفي الحاضر والمستقبل. والغيب السحيق وفي خواطر النفس : (علم الساعة. وعلم تنزيل الغيث. وما في الارحام ـ وما تكسب النفس. وأين تموت). وانها فوق مقدور الانسان مهما جد واجتهد. لانه خالقه ومسيره كذلك قدر عليه وهو اللطيف الخبير.

٤٩

ـ ٣٢ ـ سورة السجدة وآياتها (٣٠) ثلاثون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣) اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٤) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٥))

البيان : (ألف. لام. ميم) .. هذه الاحرف التي يعرفها العرب المخاطبون بهذا الكتاب المعجز. ويعرفون ما يملكون أن يصوغوا منها ومن نظائرها من كلام. ويدركون الفارق الهائل بين ما يملكون وما يصوغون من الكلام. وبين هذا القرآن المجيد. وهو فارق يدركه كل خبير بالقول. وكل من يمارس التعبير باللفظ عن المعاني والافكار. كما يدرك أن في النصوص القرآنية قوة خفية. وعنصرا يجعل لها سلطانا. وايقاعا في القلب والحس. ليسا كسائر القول المؤلف من احرف اللغة.

وهي ظاهرة ملحوظة لا سبيل الى الجدال فيها. لان السامع يدركها ويميزها ويهتز ضميره لها. ولو لم يعلم سلفا ان هذا قرآن. والتجارب الكثيرة تؤكد هذه الظاهرة في شتى أوساط الناس.

والفارق بين القرآن المجيد. وما يصوغه البشر من هذه الحروف من كلام. هو كالفارق بين صنعة الخالق. وصنعة المخلوق في سائر الاشياء. صنعة الله واضحة مميزة. لا تبلغ اليها صنعة البشر في أصغر الاشياء. وان توزيع الالوان في زهرة واحدة ليبدو معجزة لأمهر الرسامين. في جميع العصور. وكذلك صنع الله في القرآن. وصنع البشر فيما يصوغون من هذه الحروف. (ألف. لام. ميم) (تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) انها قضية مقطوع بها. لا سبيل

٥٠

الى الشك فيها قضية تنزيل الكتاب من رب العالمين .. ويجعل السياق بنفي الريب. في منتصف الآية. لان هذا هو صلب القضية. والتمهيد لها بذكر هذه الاحرف المقطعة يضع المرتابين الشاكين وجها لوجه امام واقع الامر الذي لا سبيل الى الجدل فيه. فهذا الكتاب مصوغ من جنس هذه الاحرف التي يعرفون. ونمطه هو هذا النمط المعجز الذي لا يمارون في اعجازه أمام التجربة الواقعة. وامام موازين القول التي يقر بها الجميع.

ان كل آية. وكل سورة تنبض بالعنصر المستكن العجيب المعجز ، في هذا القرآن. وتشي بالقوة الخفية المودعة في هذا الكلام المعجز ، وان الكيان الانساني ليهتز ويرتجف ويتزايل ولا يملك التماسك امام هذا القرآن. كلما تفتح القلب. وصفا الحس وارتفع الادراك وارتفعت حساسية التلقي.

وان هذه الظاهرة لتزداد وضوحا كلما اتسعت ثقافة الانسان. ومعرفته بهذا الكون وما فيه. ومن فيه. فليست هي مجرد وهلة تأثرية وجدانية غامضة. بل هي متحققة حين يخاطب القرآن الفطرة خطابا مباشرا. وهي متحققة كذلك حين يخاطب القلب المفتوح. والعقل الصحيح. والذهن الصافي الحافل بالعلم والمعلومات. وان نصوصه تتسع مدى مدلولاتها ومفهوماتها وايقاعاتها. على السواء. كلما ارتفعت درجة العلم والمعرفة. مادامت الفطرة مستقيمة لم تنحرف وتمسخ وترين عليها الاهواء. مما يجزم بان هذا القرآن صنعة خالق عظيم وليس من صنع المخلوقين. على وجه اليقين.

(وانه تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين) .. (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ).

٥١

ولقد قالوها ولكنهم قد انفضحوا في افترائهم. قالوها لكنهم متعنتين في كذبهم وقولهم. والسياق هنا يصوغ هذا القول في صيغة المستنكر. لان يقال هذا القول أصلا : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ). هذه القولة التي لا ينبغي أن تقال. فتاريخ محمد ص وآله فيهم ينفي صحة هذا القول لانه (الصادق الامين) عندهم. (بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) الحق بما في طبيعته من صدق ومطابقته للفطرة من الحق الازلي. وما في طبيعة الكون كله. من هذا الحق الثابت المستقر في كيانه. الملحوظ في تناسقه. واطراد نظامه. وعدم تصادم اجزائه. (الحق) بما يحققه من اتصال بين البشر الذين يرتضونه منهجا وهذا الكون الذي يعيشون فيه ونواميسه الكلية. (الحق) الذي تستجيب له الفطرة حين يلسها ايقاعه في يسر وسهولة. (الحق) الذي لا يظلم احدا ولا يرضى بظلم أحد. وهو منهاج الحياة البشرية كاملا. (بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) فما هو من عندك. انما هو من عند ربك. وهو رب العالمين. كما قال فيما سبق (لتنذر قوما ما آتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون) هم قومك العرب الذين أرسلك الله اليهم.

(اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما ..) ذلك هو الله ، وهذه هي آثار ألوهيته ودلالاته. هذه هي في صفحة الكون المنظور. والتي في ضمير كل حي. وفي احساس كل حساس في تدبير كل عقل سليم. وفي نشأة الانسان وأطواره. الذي يعرفها الانسان. والتي يطلع عليها الناس.

والسماوات والارض وما بينهما هي هذه الخلائق الهائلة. التي نعلم عنها القليل. ونجهل منها الكثير. هي هذا الملكوت الضخم المترامي الاطراف. الذي يقف امامه العالم الكبير في القرن العشرين

٥٢

مبهورا مدهوشا متحيرا في صنعته المتقنة. المتنسقة التنظيم. هي هذا الخلق الذي يجمع الى العظمة الباهرة الجمال الحقيقي الكامل. الذي لا يرى فيه البصر ولا القلب موضعا للنقص. ولا يذهب التكرار والالفة بجاذبيته المتناسق (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) الملك

(ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) والاستواء هنا هو رمز للاستعلاء على كافة مخلوقاته. فالاستعلاء درجة فوق الخلق (ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ. مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ).

وأين. ومن. وهو سبحانه المسيطر على العرش والسموات والارض وما بينهما. وخلقهم (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) وتذكر هذه الحقيقة. يردّ القلب الى الاقرار بالله. والاتجاه اليه ان كان فيه أدنى حياة.

(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) والتعبير يرسم مجال التدبير منظورا شاملا (مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) ليلقي على الحسّ البشري مجال التصور والخشوع ... ثم يرتفع كل تدبير وكل تقدير بمآله وتنائجه يرتفع اليه سبحانه في علاه. في اليوم الذي قدره لعرض مآلات الاعمال (أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) فهو يرتفع اليه. أو يترفع باذنه حين يشاء (ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ..)

(ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٩) وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠))

البيان : ذلك الذي خلق السموات والارض. والذي ـ استولى وهيمن على الكون وما حواه ـ (ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ) المطلع على ما غاب وما لا يغيب وما يحضر وما مضى وما هو آت. (وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) في ارادته وتدبيره.

٥٣

(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) : اللهم ان هذا هو الحق الذي تراه الفطرة. وتراه العين ويراه القلب. ويقره العقل والضمير الحي. والحق والعدل. المتمثل في بدائع الاشياء. وفي طبيعتها وتناسقها. وفي كل ما يتعلق بوصف الحسن والجمال. (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ).

انها نشأة من الطين. وان الطين كان المرحلة السابقة لنفخ الحياة فيها بأمر الله. وهذا هو السر الذي لم يصل اليه أحد. لا ما هو. ولا كيف كان. ولا كيف نشأ هذا الانسان الذي منتهى أمره اما أن يكون أفضل وأشرف من الملائكة. واما أن يكون أخبث وأسفل من حشرات الارض وهوامها. (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) من نطفة قذرة ثم من علقة نجسة. ثم من مضغة وهنة.

(ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ. وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ).

يا ألله ، ما أضخم الرحلة. وما أبعد الشقّة. وما أعظم المعجزة التي يمرّ عليها الناس وهم عنها غافلون. أين تلك النطفة الصغيرة المهينة. من ذلك الانسان ـ الملاك القديس ـ او الشيطان الرجيم ـ

انها يد الخالق العظيم العلام الخبير الصانع الحكيم. الغفور الرحيم. انها يد الله التي كونت هذا الانسان. وانها النفخة من روح الله في هذا الكيان. انها التفسير الوحيد الممكن لهذه العجيبة التي تتكرر في كل لحظة والناس عنها غافلون. ثم هي النفخة من روح الله التي جعلت من هذا الكائن العضوي انسانا ذا سمع وبصر. وذا ادراك انساني مميز عن سائر الكائنات العضوية الحيوانية. (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) وكل تعليل اخر عاجز عن تفسير تلك العجيبة التي تواجه العقل البشري بالحيرة الغامرة.

٥٤

ومع كل هذا الفيض من الفضل الذي يجعل من الماء المهين ، والذي أودع تلك الخلية الصغيرة كل هذا الرصيد من القدرة والتكاثر والنساء. ومع كل هذا الفيض فان الناس لا يشكرون الا القليل.(قليلا ما يشكرون) (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ).

لقد بدأ الله خلق الانسان من طين. (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) وثم يقولون ما يقولون.

(قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١) وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤) إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥))

البيان : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) هكذا في صورة الخبر اليقين. بدون اخبار او انذار او مراجعة. (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ. رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً ..)

انه مشهد الخزي والانحطاط. والاعتراف بالخطيئة والاقرار بالحق الذي جحدوه. واعلان اليقين بما شكّوا فيه. وطلب العودة الى الارض لاصلاح مافات في الحياة الاولى. وهم ناكسوا الرؤوس خجلا وخزيا. ولكن فات ما فات ولا سبيل الى ارجاع ما فات (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ).

وهؤلاء المجرمون المعرضون على خالقهم وهم ناكسوا الرؤوس هؤلاء ممن حق عليهم هذا القول. (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) يوم خروجكم من الدنيا التي غرتكم واغتررتم بها ونسيم فراقها الى

٥٥

غيرها التي خلقتم لها (إِنَّا نَسِيناكُمْ) يعني كالهم الله لانفسهم ورفع رعايته عنهم لانهم تركوه وأعرضوا عنه (فذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون) ويحسّ القارىء للقرآن المجيد كأنهم شاخصون حيث تركهم (انما يؤمن بآياتنا الذين اذكروا بها خروا سجدا ..)

وهي صورة وضيئة للارواح المؤمنة اللطيفة الخاشعة لله مولاها وخالقها ورازقها بنعم لا تحصى. المتجهة الى ربها بالطاعة في غير استعلاء بل بخشوع وتقوى. هؤلاء الاخيار.

(تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٧) أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٠))

البيان : يقومون لصلاة الليل والشفع والوتر. ويتهجدون بالصلاة ودعاء خالقهم والناس نيام عن هذه اللذات والارباح الهائلة التي لم يعرف لذتها الا من ذاقها وسعد بارباحها التي لا تحصى هذه الصورة المشرقة المضيئة ترافقها صورة أخرى للجزاء الرفيع ، الجزاء الذي تتجلى فيه اللذة والاعزاز الذاتي. والكرامة الالهية. والحفاوة الربانية بهذه النفوس المطمئنة بوعد خالقها. (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ..)

تعبير عجيب مليء بحفاوة الخالق العظيم. والمولى الكريم. الفياض على عبيده المطيعين بالرضوان والرحمة. يبشرهم بما أعد لهم عند خالقهم من الحفاوة والكرامة مما تقر به العيون.

وانها لصورة وضيئة لهذا اللقاء الحبيب في حضرة المولى العظيم ،

٥٦

يا لله كم ذا يفيض الله على عباده من وافر فضله. وكم يحرسهم بعنايته ويسددهم في كل حركة يتحركونها لاخلاصهم له تعالى (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ..)

وما يستوي وكيف يستوي المؤمنون المطيعون لخالقهم ومولاهم ، مع الفاسقين المتكبرين على خالقهم العظيم ومولاهم الكريم. فالتباين ظاهر بين الفريقين صالح وطالح. ومصلح ومفسد. (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى) التي ينزلون فيها وتسعد نفوسهم في نعيمها جزاء (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).

(وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ) يصيرون في مهاويها وصناديقها المعدة لهم جزاء لاجرامهم (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها) يا له من مشهد يرجف القلوب ويهلع الضمائر الحية. مشهد مرعب مخيف. يريدون الهرب والفرار. وأنى لهم ذلك. (ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ) فهو تقريع واستهزاء بهم كما كانوا في الدنيا يستهزأون بالمؤمنين المطيعين لخالقهم ومولاهم. (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ).

الرحمة تتراءى من وراء هذا العذاب الادنى. فالله سبحانه وتعالى لا يحب أن يعذب عباده اذا لم يستحقوا العذاب بعلمهم. واذا لم يصرّوا على عصيانهم. فهو يوعدهم بأن يأخذهم بالعذاب في الارض (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ولعلهم تستيقظ فطرتهم. ويردهم العذاب العاجل الى الصواب فيرجعون عن الخطأ. فيفوزوا بسعادة الدنيا والاخرة. وحينئذ يكون العذاب لهم في العاجل نعمة من الله.

(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (٢٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي

٥٧

إِسْرائِيلَ (٢٣) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (٢٤) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٢٥))

البيان : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها) انهم اذن يستحقون الانتقام في الدنيا والاخرة. (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) فياله من هول وتهديد من الجبار العظيم لهذا المخلوق المتمرّد على خالقه ومولاه. ويا له من انتقام لا يطاق لانه يناسب الاجرام.

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) وكأنه ايحاء الى الامة المسلمة ان تصبر كما صبر المختارون من بني اسرائيل. وتوقن كما أيقنوا ليكون منهم أئمة للمسلمين. كما كان اولئك أئمة لبني اسرائيل. ولتقرير طريق الائمة المعصومين من أهل بيته من بعد رسول الله ص وآله. وهو الصبر واليقين.

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (٢٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (٢٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠))

البيان : مصارع الغابرين من القرون تنطق بسنّة الله في المكذبين. وسنة الله ماضية لا تتخلف ولا تحابي. وهذه البشرية تخضع لقوانين ثابتة في نشوئها ودثورها. وضعفها وقوتها.

والقرآن المجيد ينبه الغافلين الى ثبات هذه القوانين. واطراد تلك السنن. ويتخذ من مصارع القرون. وآثار الماضين الدارسة الخربة العبرة. بعد سكانها وايقاظ القلوب والخوف من بطش الله وأخذه للجبارين. كما يتخذ منها معارض لثبات السنن والنواميس.

٥٨

ويرفع بهذا مدارك البشر ومقاييسهم. فلا ينعزل شعب أو جيل في حدود الزمان والمكان.

وان للاثار الخاوية لحديثا رهيبا للقلب. والحس المبصر. وان له لرجعة في الاوصال. ورعشة في الضمائر. وهزة في القلوب. ولقد كان العرب المخاطبون بهذه الاية ابتداء. يتمشون في مساكن عاد وثمود. ويرون الآثار الباقية من قرى قوم لوط.

والقرآن المجيد يستنكر عليهم حين ينظرون الى تلك الاثار المثيرة. ثم لا تستجيش قلوبهم ولا تهتز مشاعرهم. ويستثير حساسيتهم خشية الله العظيم الذي فعل بالماضين لما ظلموا وعصوا ما يرون بأعينهم ولا يعتبرون بذلك. كأنهم لم يروا شيئا وكأنهم لا يبصرون ولا يعقلون.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ) يسمعون القصص ويرون العبر ويمشون في مساكن الذين انتقم الله تعالى منهم لما ظلموا وطغوا ولا يأخذون الحذر من أن يصيبهم ما أصابهم : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ. فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً ...)

فهذه الارض الميتة التي لا حياة بها. يرون أن يد الله تسوق اليها الماء المحيي. فاذا هي خضراء تفوح بالنبات والزهور العطرة. والزرع الذي تأكل منه دوابهم ونفوسهم.

ان هذا المشهد ليفتح نوافذ القلب المغلقة ـ لو كان فيه حياة ـ والشعور بحلاوة الحياة احساس حب وقربى وانعطاف. مع الشعور بالقدرة المبدعة. واليد الصانعة المدبرة.

وهكذا يطوق القرآن المجيد بالقلب البشري في مجال الحياة والنماء. بعد ما طوف به في مجالي البلى والدثور. لاستجاشة

٥٩

مشاعره هنا وهناك. وايقاظه من غفلته وصمود عادته. (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). والفتح هو الفصل فيما بين الفريقين من خلاف.

(قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) سواء كان هذا اليوم في الدنيا عند الموت أو كان في الاخرة عند الحساب. والظاهر ان هذا يكون عند الموت وانقطاع الامل بالحياة

وهذا الرد يخلخل المفاصل. ويزعزع القلوب التي لم يزل فيها حياة تشعر عند الهزة. (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) وفي هذا تهديد ووعيد بعاقبة الانتظار.

* * *

ـ ٣٣ ـ سورة الاحزاب وآياتها (٧٣) ثلاث وسبعون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٢) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٣) ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤) ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥))

البيان : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) هذا هو ابتداء السورة ، التي تتولى تنظيم جوانب من الحياة الاجتماعية. والاخلاقية للمجتمع الاسلامي الوليد. وهو ابتداء يكشف عن طبيعة النظام الاسلامي والقواعد التي يقوم عليها في عالم الضمير.

٦٠